RSS

إبنة داني

24 نوفمبر

داني هو السائق الستيني الذي رافقني خلال رحلتي إلى سيريلانكا…

داني قصة لا أعلم هل سأمتلك القدرة يوماً على كتابتها. قصة حفرت داخل تجوايف روحي. وعلى أي حال , قال لي داني في معرض حديثه عن نفسه أن لديه عائلة مكونة من زوجة وابنتين وكلب!

كان يصارع الإنجليزية حتى يستطيع التعبير عن ما يجول بخاطره ومحاولة إفهامي من خلال الكلمات غير المترابطة أحياناً، وبحركات اليد والرأس، وتعابير الصوت أن إبنته الكبرى محامية تخرجت من الجامعة وأن إبنته الصغرى على وشك إنهاء دراستها الجامعية.

ولكنني لمحت لمعة الفخر برقت في عينيه عندما سألته سؤالاً قصدت منه المجاملة

“إبنتك محامية؟”

يبدوا أنها كانت نظرة الفخر بحق، إذ إزدادت بسؤالي هالة اللمعة في عينيه وانفردت عضلات وجهه مفسحة الطريق لإبتسامة عريضة كشفت عن نواجذه وبدأ في هز رأسه وترديد ما إفترضت على الفور أنه إسم إبنته الكبرى.

رددت الإسم على عجالة غير راغب حقيقة في إدخاله لقاموس مفرداتي اللغوية، وترجمت ما قاله على عجالة أيضاً لمن كان معي في السيارة وانطلقنا بعدها كلٌ منا إلى عالمه، نحدق عبر النوافذ نحو إتجاهات مختلفة لصورة واحدة نابضة بالحياة رسمها بديع الصنع سبحانه،

ومضت بنا دروب الترحال…

قضينا آخر ليلتين في (نيقامبو) بالقرب من البحر والمطار.

وبعد أن تملّلك الرجل من قلبي حيزاً، حصل ما وعد به داني لأكثر من مرة

“سأريك بيتي”

لم أكن أتخيل أنه كان جاداً عندما كرر تلك العبارة مرات متتالية.

حسناً يبدوا أنه إرتياح متبادل، فقد قال لي على الهاتف وهو يودعني ويتمنى لي رحلة آمنة، أنني شخص مختلف عمن يلتقيهم عادة من السياح السعودين!

لم أُعر الأمر أهمية وقتها ولكن بعدها بدأت أنتبه أنني سمعت هذه العبارة تتكرر من أكثر من فمٍ وفي أكثر من موضع، سمعتها من موظفي الإستقبال في فندقين مختلفين، وسمعتها من حامل الحقائب اللذي أعجب بلكنتي الأمريكية (على حد قوله) وسألني ما إذا كنت قد درست في الولايات المتحدة، ومن ذلك الرجل المثقف اللذي تحدثت معه لنصف ساعة عن العلاقات الإقتصادية بين سيريلانكا والصين وكيف أنها تحاول أن تقيم حصاراً إقتصادياً ليس فقط على دول المنطقة لا يعارضها في مشروعها التوسعي في المنطقة الا الهند، وكيف أن السياح العرب لا يحترمون الطبيعة ولا الثقافة المحلية !

لا أعرف إسمه طبعاً لكن يبدوا أنه كان مسؤولاً عن قسم المسّاج في الفندق،

وسمعتها من ذلك الأربعيني البوذي اللذي كان يتحدث عن مقارنة الأديان على متن (التوكتوك) اللذي تشاركناه في طريقي نحو معبد الحقيقة البوذي في مدينة كاندي.

كنت دائماً ما أبرر اختلافي عن البقية بالقول أنني أعمل في فندق خمس نجوم!

ربما في محاولة للتملص الإستباقي من أي سؤال فكري أو ثقافي قد يجرني لنقاشات وتبريرات لم أكن راغباً في الحديث عنها، أردت أن أعيش لحظات صفاء وحسب، لا أريد أن أشغل بالي بنقاشاتنا الفكرية ( السخيفة)

وعلى أي حال دلفنا إلى فناء المنزل المكون من طابقين واللذي بدا كغابة مصغرة مليئة بالدفئ والأزهار!

بعد أن أطلق داني بوق سيارته عدة مرات خرجت فتاة ترتدي فستاناً أخضر بسيط يصل إلى نصف ساقها، خرجت بوجه يملؤه الترحاب وإبتسامة كتلك الإبتسامة اللتي تود أن تراها كضيف.

بدا لي أنني أعرفها منذ زمن، وجهها كان مألوفاً جداً وجدير بالثقة والإرتياح…

نعم هذا الوجه مألوف، إنها ملامح والدها داني، لكنها بدت أكثر شباباً وهدوءً وأقل حدة.

بدت ملامح أنثوية رقيقة تنتمي لفتاة في الخامسة والعشرين ونظرة إمرأة وقورة في الثلاثين من العمر…

حسناً لنعقد صفقة هنا ونقول إنها بدت كفتاة رقيقة رصينة في الثامنة والعشرين من العمر، هذا ما أفترضه

سألتها بعد أن نزلت من السيارة مردداً عبارات الشكر على حسن استقبالها، سألت :

“أأنت المحامية أم الفتاة الأخرى؟”

وضعت يدها اليمنى على صدرها وأمالت برأسها بهدوء جهة اليمين وانحنت إنحنائة فتيات الطبقة الأرستقراطية البريطانية، تماماً كما تنحني سيدات الأفلام التاريخية في القصور الإقطاعية الأوربية، وردت بصوت خليط من الضحكة والرزانة

” نعم، أنا هي المحامية”

حرصت على ترديد عبارة ” لديك والد عظيم” مرتين في محاولة لبث روح السعادة والفخر في قلبها وقلب والدها اللذي كان يشاركنا البسمة، وقد كنت أعني ما أقول بحق.

إعتذرت لها عن الدخول للبيت لتناول الغداء وذلك بعد أن أبدى رفاقي في السفر بصفاقة عدم رغبتهم في الدخول أو حتى النزول من السيارة…

ودعتها وقفلنا راجعين إلى الفندق المجاور حيث نقطن.

فاجئني صوتها على هاتفي الجوال بعد وصولي المطار، كانت تطلب أن أرسل لها إسمي حتى تتمكن من إضافتي على ( فيس بوك) أرسلت لها إسمي والدهشة تتملكني.

هل يمكن أن أكون أثرت على والدها وعليها تماماً كما تأثرت بهما؟

هل يمكن أن يكون الإنسان كائناً إجتماعياً بحق يألف ويؤلف على الرغم من إختلاف الدين والثقافة واللغة… إلخ

هل يمكن أن يحب الناس بعضهم البعض بلا سبب حقيقي ضاهر؟

فوجئت بعد وصولي الأراضي السعودية بإتصال من هاتف داني المتنقل، كانت إبنة داني تستأذنني أن ترسل لي إسمها حتى أقوم بإضافتها أنا، لأنها وكما بررت لم تستطع إيجاد حسابي.

ليتني أعرت إهتماماً لإسمك، عندها كان يمكن لذكرياتي وقصصي أن تكون أكثر معنى

سامحيني لم أكن أظن أن الأيام ستربطنا بخيط من الذكريات المشتركة، وأنك ستكونين شخصية أساسية لأحدى قصصي اللتي أرويها للناس أحتفظ بتفاصيل عنها أخفيها في ذاكرتي إلى ما شاء الله…

إلى إبنة داني مع التحية

أنت مختلفة ووالدك عظيم، وأعتذر على عدم تذكر إسمك. نقطة!

 
تعليق واحد

Posted by في نوفمبر 24, 2014 بوصة Uncategorized

 

1 responses to “إبنة داني

  1. Ranya

    جوان 18, 2015 at 11:08 صباحًا

    لفتت انتباهي هذه القصة من بين جميع المنشورات في صفحتك ،
    القصة احداثها عادية وقد تكون روتيناً لمن يعيش الغرب ،
    لكن اختلاج المشاعر ولحظة الموقف ، هي ماجعلت القصة تستحق الذكر ،
    لا انفي عدم حماسي مع القصة ، وقهري على انك لم ترسل لها اضافة 😦

    إعجاب

     

أضف تعليق