RSS

ليلة فندقية

30 سبتمبر

تصور  في عيني أثاث الفندق الفاخر ذو الخمسة نجوم وكأنه يكتسي بحلة من البلاهة عديمة الروح وكأنه يبعث برسالة مفادها ان الأثاث الفاخر والمنزل المريح لن يكون له قيمة اذا لم نتشاركه مع احدهم… لكن ومن نافذة في أعالي برج الفندق الفاخر بدت المدينة اجمل بكثير تتسفع برداء من الطهارة والسكينة والسلام، أصبحت الحياة من هنا أبسط بكثير…

 كلهم متشابهون، اعني جميع البشر ، مهما اختلفت شخصياتهم او طبقاتهم الاجتماعية او مستواهم الثقافي و الفكري ، ينزعون للتعبير عن غرائزهم الأساسية بطرق بمختلفة، يتفقون في تواجدها في كل منهم و يختلفون فقط في الطريقة اللتي يشهرون بها تلك الغرائز، 

مشاعر مثل الغضب ، الخيبة، الامتعاظ، المفاجئة ، تظهر جلياً لمن تعلم كيف يتعامل مع أغلب الشرائح الإجتماعية، اؤلائك الذين يعملون مع الناس بختلافاتهم بشكل يومي، بائع السوق ،موظف الاستقبال، موظف المطار، مثل هؤلاء يكتسبون القدرة على فهم الطرق المتعددة اللتي يستخدمها الناس للتعبير عن حالة شعورية إنسانية مشتركة، ويحسنون مع تراكم الخبرة تميزها والتنبؤ بها ومن ثم كيفية التعامل معها، 

مثل هؤلاء يملكون خبرات متراكمة تورثم فيما أظن فراسة منقطعة النظير، ، 

والقدرة على تميز تلكم الغرائز حال تم التعبير عنها بطريقة تختلف عن الطرق الشائعة اللتي تعودت عليها هو اول ما تتعلمه بعد عملك في الفندق لمدة لا تتجاوز الثلاثة أشهر، اقول هذا لاني عملت في الفندق منذ خمسة اشهر، وكنت انتوي تقديم استقالتي، الا ان طارئا طرأ على قلبي ونبهني الى تغير إيجابي ملحوظ في شخصيتي وطريقتي في التعامل مع الحياة والضغوطات،  مؤخراً أصبحت احس بفخر بعملي وتطوري فيه كل يوم خطوة يعطيني شحنة من الحماس والإيجابية ويشحنني بوقود يكفي لإبقائي واقفاً في استقبال الفندق لاثني عشرة ساعة متواصلة دون ان أتناول طعام الإفطار

 ،عملنا يتطلب الكثير من السرعة والحذق واتخاذ القرارات نيابة عن الفندق والتحدث باسم شركة كبيرة لها فروع في قارات العالم الخمس، تصبح كل خدمة تقدم لضيف ( نزيل ) من ضيوف الفندق إنجازا بحد ذاته ودورا فاعلا في ادخال السعادة على قلبي مقدم ومستقبل الخدمة، الم يقول رسول الله (أحبكم عند الله أنفعكم للناس) 

العمل في الفندق يضعك في حالة من الإيجابية والعقل والجسد المستعد لتقديم المساعدة فور الاحتياج اليها، دون ادني احساس بالحاجة لتلقي الشكر على ما نقدمه من خدمات، روح العمل الجاد والضحك المؤدب وإنجاز آلاف المهمات الصغيرة مهمة تلو الاخرى تبعث في الروح نسمة من رضى عن الذات و الإحساس بطعم الإنجاز، 
يبدوا انني سأتصفح الإنترنت بحثا سِيَر كبار رجال الاعمال الذين اشتغلوا بالفندقة وأحاول ان اكتشف هل يتشاركون نفس القدرة العقلية الهائة ، اتوقع انهم لن يصابوا بالخرف ، لان ادمغتهم خضعت لتدريب مكثف في سنين حياتهم والعقل كما تعرفون تزيد قوتة باستعمالة وتضعف  اذا ظن صاحبه واهماً انه بإراحتة دماغه من التفكير سعيش قرير البال متنمتعا بصحته وشبابه، 

 الراحة لن تجلب الا الضعف وانخفاض معدل الذكاء مع الوقت، وإصابة الجسم بالأمراض الناتجة عن قلة الحركة، التفككير نشاط مهم ومثل هؤلاء، أعني رجال الاعمال المشتغلين بالفندقة، الذين يتخذون في اليوم الواحد مئات القرارات الحاسمة! نعم حاسمة لان كل مهمة يجب ان تتم على أكمل وجه، لان أي نزيل يمكن ان يتسبب في قلب الفندق رأساً على عَقِب، فتخيل معي لو طلب منك ان تتخذ قرارا حاسما كل دقيقتين لمدة تتجاوز التسع ساعات يوميا! 
وبالمناسبة فإن وظائف مكاتب الاستقبال الأمامية هي الخطوة الاولى في سلم يقف في وسطه مدير عام الفندق، بمعنى اخر ان موظف الاستقبال هو المرشح الاول في الترقيات الإدارية اللتي ستفضي به بعد ٢٠ عاماً الى منصب مدير عام الفندق، ولن اقول لكم مقدار راتب المدير العام اللذي لو قرأتموه لأعدتم قراءة الرقم مجددا للتأكد!! 
البعض يظن ان عمل الفنادق مستهلك للوقت والجهد، هذا من وجه نظره ، اما انا فمن وجة نظري فان الوقت الذي تقضيه في الفندقة يعتبر استثمارا للوقت، واغتناما للفرص، واستغلالا لطاقة الشاب، حتى اذا ما أردتَ ان تعتزل العمل في منتصف حياتك وتركز على أمور اكثر أهمية في نظرك ، وجدتَ رصيدك البنكي والعقلي اكبر معين ان لك على الاستمتاع بالحياة…
عملي في الفندق جعلني افخر بجيل الشباب الذي انتمي اليه، الجيل الذي يتحمل وقادر على تحمل مسؤوليات لم يكن لآبائنا وأجدادنا ان يتحملوها لو أسندت إليهم…

اذكر ان والدي كان يقول لي يكفي في جيله ان يتخرج الطالب من الجامعة او الثانوية ليجد جميع القطاعات الحكومية تفتح ذراعيها لإستقباله، اما جيلنا فهو جيل المصابرة والكفاح حتى وان كان كفاحنا غير ذي قيمة في نظر الأجيال السابقة، في جيل ابي مثلاً كان يكفي تقديمه لشاهدته الجامعية ليتم تعينيه معلماً على الفور ، اما انا فقد طلب مني سيرة ذاتية تحتوي على جميع مهاراتي والتي يجب ان تشتمل على الإلمام بالحاسب الآلي ولغة اجنبية على الأقل، ودورات في فن التعامل مع الناس والمشكلات، والأعمال اللتي اكتسبت منها خبراتي السابقة ثم بعد ذلك يتوجب على ان اخضع لاختبار وثلاث مقابلات شخصية ثم توقيعي لعقد لمدة سنتين فقط براتب ثلاث آلاف!! وإجازة لمدة شهر في السنة ولا يجوز ان تزيد الإجازة عن خمسة ايام في كل مرة ، خضعت بعد تعيني في الفندق ثلاثة أشهر تحت الاختبار والملاحظة، مهدداً بالطرد لأي خطأ ارتكبه لا يتوافق مع معايير الفندق…

وجودي في مثل هذا الفندق الضخم يعد إنجازا بحد ذاته. نقطة! 

 
أضف تعليق

Posted by في سبتمبر 30, 2015 بوصة Uncategorized

 

أضف تعليق