RSS

كوخ على ناصية الحياة

30 سبتمبر

على أطراف قرية (ويندميل) تمتد مزارع الورد على مد البصر على شكل خطوط لا نهائية تصل السماء بالأرض على امتداد خط الأفق. 

كانت المزارع شاسعة، رحبة، مزروعٌ على أطرافها أكواخ خشبية متناثرة،  يسكنها المزارعون وعائلاتهم الصغيرة السعيدة، وعلى طرف هذه المزارع  تنتصب طاحونة هواء عملاقة ذات أجنحة بيضاء أربع. 

كان المزارعون يفيقون من نومهم وقت تلون السماء بالغسق، يتناولون إفطارهم حول المائدة مرددين قبل البدئ في الأكل صلوات جميلة صادقة، أن يبارك الرب عوائلهم الصغيرة ويمدهم بمحصول جيد لهذا العام..
وفي أحد الأكواخ المصنوع من خشب الصنوبر الصلب ، المكون من طابقين وعليّة، والذي تزين مدخله حديقة صغيرة وجميلة، تتوسطها شجرة تفاح معمرة عُلق على احد أغصانها حبلان مربوطان في إطار سيارة بمثابة أرجوحة، وكرسيان متحركتان بالقرب من باب الكوخ على الشرفة المطلة على الحديقة، كانا مناسبين لجلسة سمر مسائية بين الزوجين اللذان يقطنان الكوخ، كما أنهما كانا مناسبين لجلوس الأم ( سكارلت) التي كانت تحب ان تحيك الصوف وهي تجلس على أحدها مستمتعة بمنظر الغروب. 
قامت الام ( سكارلت) بإيقاظ بناتها الثلاثة (مايا – فايا – سوزان) لتناول طعام الإفطار واستقبال يومٍ جديد

نادت الأم ( سكارلت) بحنان

– هيا يا صغيراتي الجميلات حان الوقت لتتفتحن كأزهار( اللوتس). 

لم تمر دقائق حتى استيقظن، كان أول من استيقظ ( مايا وفايا)، فتحتا عينيهما الزرقاويتين بكسل لذيذ وقاما بإرجاع الشعرات الشقراء التي تدلت على وجهيهما إلى الوراء في محاولة لإصلاح بعض ما أفسده النوم من تسريحة شعريهما، اللتان كانتا على شكل ضفيرة تمتد إلى منتصف كتفيهما..

نظرا إلى أمهما المتكئة على الباب وقالتا بصوتين صغيرين إتفقا في النغمة: 

– صباح الخير ماما. 

على اثر وقع تلك التحية الصباحية على أذن سوزان، فتحت عينيها بنية اللون واللتان كانتا تشع نوراً على الرغم من اثار النعاس الذي أحاط بهما. اعتدلت في جلستها ومدت قدميها باحثة عن الصندل اللذي يفترض ان يكون بجانب السرير، وعدلت قميصها ليستر ما انكشف من ساقها حال النوم، وقالت دون اهتمام ضاهر:

– صباح الخير جميعاً. 

ابتسمت الأم ( سكارلت) وصرحت لهن بأن طعام الإفطار جاهز وان عليهن ان يتوجهن للطابق السفلي، وغادرت والبسمة لا تزال ترتسم على شفتيها..

وفي نفس الوقت، وفي العليّة شبه المهجورة في ذلك الكوخ، كانت تسكن عائلة أخرى..

عائلة مكونة من زوجين وابن وحيد. كانت الأم والتي تدعى ( كاسبرا) تطمئن ابنها أن غيابها هي ووالده لن يطول

– سيستغرق الأمر ثلاثة أيام، قالت كاسبرا 

كما أنك يا بني كبرت الآن وتستطيع ان تتجول بحرية في ارجاء المنزل وتكتشف الجانب الآخر من الحياة، انها فرصة لتتعلم وتختلط بالبشر، إنهم لطفاء يابني لقد تأكدت من ذلك بنفسي. 

مسحت كاسبرا على رأس ابنها الرمادي وثبتت نظرها في حنان على عيني ابنها التي توهجت بالحمرة وقالت له:

– عدني أنك ستختلط بالبشر يا ( ردليلي) 

– أعدك يا أمي. 

– حسناً الى اللقاء يابني. 

وغادرت كاسبرا مع زوجها من خلال النافذة الدائرية الموجودة في أعلى العليّة، وبهدوء كهدوء النسمات إمتزجا مع الريح واختفيا. 
أمضى الإبن ( ردليلي) نهاره في انتظار رجوع الأخوات الثلاثة القاطنات في الطابق السفلي في الكوخ من المزرعة، أخذ يجوب العليّة ذهاباً وإياباً يفكر في المرحلة القادمة من حياته، لقد اصبح شاباً الآن وأصبح مستعداً لاكتشاف عالم البشر الغريب، قبل أن يتوجب عليه الإنتقال مع عائلته للسكن في المدينة، وقد ذهب والداه تواً الى هناك للبحث عن مكان مناسب للسكنى. 
في المساء، عادت الأخوات الثلاثة الى الكوخ، وبعد ان انتهين من تناول العشاء وغسل أسنانهن وارتداء أقمصة النوم، قالت مايا:

– سوزان أرجوكي أحكي لنا حكاية. 

وأيدتها فايا قائلة:

أجل أجل احكي لنا حكاية، أرجوكِ. 
في هذه اللحظة دخل ( ردليلي) عبر الباب في خجل واضح وترقب شديد، واختار الزاوية القريبة من الباب للجلوس. 
قالت سوزان:

– حسناً سأحكي لكم حكاية حقيقية سمعتها من جدتي عندما زارتنا العالم الفائت، ولكنها حكاية مخيفة قليلاً، فهل تعدنني أن لا تشعرن بالخوف منها؟ ولا تخبرن والدتنا عنها؟ 

أجابت مايا وفايا بحماس:

– نعم نعم نعدك بذلك، لقد كبرنا الآن ونستطيع أن نستمع لكل أنواع الحكايا، حتى المخيفة منها. 

اصطفت الفتاتان بجانب بعضهما جلوساً على أحد الأسرة وجلست سوزان أمامهما على السرير المقابل وبدأت:

– كان يا ماكان في قديم الزمان كان هناك شبح صغير قبيح الشكل جداً مثل كل الأشباح، وكان هذا الشبح يسكن في العليّة..
هنا التمعت عينا ( ريدليلي) وتوسعتا في دهشة واضعاً يده اليسرى أسفل ذقنه مسنداً إياه، وأرخى سمعه وأصغى في ترقب. 
تابعت سوزان:

– الأشباح مخلوقات مرعبة وشريرة جداً، تحب ان تعيش في القذارة لانها قذرة ايضاً، لا يوجد أحد من البشر يحب الأشباح إلا العرافات الشريرات الآتي يستخدمن الاشباح للقيام بأعمل قبيحة. 
هنا تذكر ( ردليلي) أن والداه قد أخبراه أنهما ذاهبان الى المدينة للقيام بعملٍ ما وللبحث عن منزل جديد. 

– أيعقل أن يكون والداي ذهبا الى المدينة للقيام بعمل شرير؟ وهل الأشباح بهذا القبح الذي تذكره تلك الفتاة ذات الشعر البني؟ 
كانت اعين مايا وفايا الزرقاويتين تتلألآن كسماء الصبح الصافية، واكتسى وجهيهما بغباء شهيّ كذلك الذي يكسوا وجوه الشقراوات عادة. 

كانتا تنظران الى سوزان في نهم شديد وصبرٍ يكاد أن ينفد كلما أطبقت سوزان شفتيها قليلاً لتفكر في تتمة للقصة. 

أكملت سوزان:

– أنا أقول لكم الحقيقة، ان الاشباح مخلوقات بشعة ولا أدري كيف يستطيعون أن ينظروا في المرآة دون أن يشعروا بالإشمئزاز من أنفسم..
عندها قام ( ريدليلي) من مجلسه مخترقاً الباب بسرعة، طائراً فوق درجات السلم المؤدي للعليّة، كريح غاضبة تسبق إعصاراً، وتوقف أمام المرآة ينظر في نفسه

– أنا قبيح جداً، قال بعد فترة تأمل في المرآة

عيناي حمراويتين تشوبها بقع سوداء مظلمة، لماذا لا أملك عينين زقاويتين أو بنيتين؟ وشعري الرمادي المتطاير، انه قبيح جداً، ليتني خلقت بشعر أشقر أو بني على اللأقل. آه ليتني لم أخلق شبحاً، إنني أكرهني، أنا لست جميلاً. 
أحس ( ريدليلي) أن كلام سوزان يتردد كصدى داخل رأسه لا يكف عن الترداد، اعترته رغبة جامحة فالبكاء فكان ان توجه الى صندوق محشو بالكتب وقصاصات الصور القديمة، فاخترقه ومكث هناك حزيناً يسيل الدمع على وجنتيه، أحس ان الدنيا أظلمت في وجهه، لم يمتلك الرغبة في الخروج من الصندوق وعلى هذه الحال قضى ( ريدليلي) يومين داخل الصندوق مستلقياً هناك، يفعل اللاشئ ويندب حظه العاثر..
وبينما هو نائم على تلكم الحال، اذ احس بيدٍ تمسد على شعره برقة، فتح عينيه ليجد وجه أمه ( كاسبرا) ترمقه بنظرات حانية وترفع بهدوء شعره الرمادي الذي ارتمى على جبينه

– ما بك يا بني؟ لم أنت هنا؟ لقد خفت عليك كثيراً، قلي ما الذي حدث؟ 

– انا قبيح جداً يا أمي.. الآن أصبحت أعرف ذلك، خصوصاً عيناي الحمراويتان..

– تعال يا بني، دعني أريك شيئاً، ولتحكِ لي ما حصل لك، أحكِ لي كل شيئ، هيا
أخذت بيده وقادته عبر النافذة الى مزرعة الورد القريبة، وبينما هما يتمشيان بين براعم الأزهار إذ مدت الأم كاسبرا يدها متلمسة زهرةً بأطراف أصابعها وقالت:

– أنظر يابني، ما رأيك في هذه الزهرة؟ 

– إنها جميلة جداً يا أمي، لقد أحببتها

-هل تعرف ما اسم هذه الزهرة يا بني؟ 

هنا التمعت عينا (ريدليلي) في حيرة، فأكملت الأم كاسبرا حديثها

– عندما ولدت يابني كنت جميلاً جداً، بعينين حمراويتين تتخللها نجوم سوداء صغيرة تأسر القلوب تماماً كزهرة تسمى ( ريد ليلي) فاخترت أن أسميك بإسمها، وقد أيدني على هذا الإسم كل من رآك صغيراً بما فيهم 

حماتي! 

أعتلت ( ردليلي) ابتسامة وهو يتأمل جمال تلك الزهرة النادر. 

  عندها قربت الأم كاسبرا ( ريدليلي) منها وأحاطته بذراعها وهمست في أذنه:

– صدقني يابني، أنت جميلٌ جداً، ولكن البشر لا يفهمون شيئاً ودائماً ما يتفوهون بالحماقات، لا تصدق كل ما يقولون. عدني بذلك. نقطة!  

 
أضف تعليق

Posted by في سبتمبر 30, 2015 بوصة Uncategorized

 

أضف تعليق