RSS

Tag Archives: سيجارة

مقهى القهوة!

نزل إلى الشارع يعد الخطى نحو مقهى القهوة القريب من منزله المستأجر، منزل يتكون من غرفة وصالة صغيرة ومطبخ بحجم حمّام أحد أفراد الطبقة المتوسطة، كان بيته فارغاً تقريباً من كل شيئ باستثناء شاشة تلفاز معلقة على الحائط وسرير غطاه البياض كأسرة المستشفيات المملة، وكثير من الفوضى والقاذورات…

مشى إلى المقهى معلقاً سماعات الأذن بيضاء اللون في الأساس لكنها ومع مرور الأزمنة والدهور عليها تحول لونها إلى الأصفر قليلا مع بعض شمع الأذان الذي توزع باحترافية على فتحات الصوت الخارج نحو أذنه الموسيقية بامتياز، 
دلف نحو المقهى وتبادل نظرات التحايا مع كل من في المقهى على عجل، كان يعرفهم جميعاً دون أن يستطيع تميز أسمائهم، معرفة قهوة كما يحبون أن يشيروا إليها في هذا المكان الذي يعج برائحة القهوة التي تبعث على النشاط وتضلله سحابة من الدخان المنبعث من سجائر بماركات متعددة، يبدوا أن كل الجالسين على الكراسي البلاستيكية لم يعيروا أي اهتمام لتلك اللافتات التي طبعت على الجدران وبخط واضح أحمر تقول (ممنوع التدخين) وكأنهم يبعثون برسالة مفادها لا قهوة بدون سيجارة ستفقد القهوة طعمها، إتجه مباشراً نحو أقرب كرسي فارغ سحبه إليه وجلس رامقاً بائع القهوة مناديا إلياه بإسمه (ميزان) وأشار بيده فقط ، اكتفى ميزان بهز رأسه موافقاً وقام على الفور بتوجيه مساعده ليقوم بإعداد القهوة التركية سكر زيادة طبعاً، 

بادر صاحبنا بالتقاط كوب القهوة من يد ذلك البائع (مساعد ميزان)  الذي لا يوجد من بين مرتادي المقهى من يعرف اسمه، هو فقط ذلك البائع الذي يحسن بصمت أعداد القهوة التركية ويقدمها بابتسامة خجول، غالبا ما كان يتفادى النظرات المباشرة بشكل ملحوظ يرخي طرفه حالما ترفع بصرك اليه، يتمتم حال تقديمه القهوة تمتمات لم يتمكن صاحبنا من سماعها بوضوح لكنه دائماً ما يدرك بعد أن يرى ابتسامة البائع الودودة أنه يتمتم بالترحيب ويتمنى إن ينال كوب القهوة على إعجابه ،أو هذا ما يفترضه على الأقل فيرد عليه بابتسامة مماثلة متبوعة بعبارة (تسلم إيدك يا باشا) ، 
يمسك صاحبنا بكوب القهوة ويسحب منديلاً ليغطي به الكوب حتى لا تبرد القهوة ريثما ينتظر صاحبنا ركود البُن في قاع الكوب وينتظر دقيقة كاملة ثم يزيح المنديل عن الكوب بأسلوب لا يخلو من السرعة والاحتراف معاً، يطبق المنديل ويقربه من حافة الطاولة، سيستخدمه فيما بعد لمسح رواسب القهوة على شفتيه، أمسك بعدها بكوب القهوة وقربهامن أنفه يشتمه بهدوء، قرب بعدها الكوب من شفتيه ليسرق قبلة سريعة من طرف كوب القهوة التركية  ليعيد الكوب بعدها الى مكانه مرة اخرى، تبادر يده مجددا بالتقاط كوب القهوة ليقربه من فمه، هذه المرة تناول رشفتين متتابعتين تهللت بعدها اسراير وجهه وقام بحشر يده اليسرى في جيبه الجانبي وأخرج علبة السجائر ، فتح العلبة بيده اليسرى ومد العلبة نحو فمه والتقم سيجارة سحبها من بين أخواتها بنعومة ليبادر بإشعالها ثم بإلقاء القداحة على الطاولة ليقوم بإمساك السيجارة بيده بعد أن نفث دخانها ليتركها ترتاح قليلا بين أصابع يده اليسرى، رفع كوب القهوة الذي لم يفارق يده اليمنى الى فمه مجددا وتناول رشفة كبيرة هذه المرة. 

شعور بالنشوة تسلل إلى كل ذرة من ذرات جسمه ونفث فيها الحياة من جديد، أحس صاحبنا بالنشوة ولم يستطع مقاومة يده اللتي امتدت لجيبه الأيمن فحشر يده داخل جيبه وأخرج دفتر مذكراته الذي يحب أن يسميه (الكتاب المقدس) ذلك الكتاب الذي احتوى على الأسرار التي لم يستطع صاحبنا الاحتفاظ بها لنفسه فققر أن يشاركها مع الكتاب المزخرف الصغير والذي ومن كثرة الأسرار اللتي احتواها جوفه أصبح مقدساً

أمسك بدفتر مذكراته وفتحه بعشوائية في محاولة جادة لإيجاد صفحة فارغة، استقر على صفحة في منتصف الدفتر تقريباً فسل سريعا قلم الباركر الأسود الموجود في جيبه العلوي، أحس بأن كل ذره من ذرات جسمه تدفعه للكتابة ، لم يستطع مقاومة ذلك الشعور الجارف فقام بغرس القلم في الدفتر وبدأت رويداً رويداً معالم قصيدة بالظهور… قصيدة عنها طبعا! 

٢٠١٤٠٥٠٥-١٩٢٦١٢.jpg

 
 

الأوسمة: , , , ,

سيجارة!

جلسَ في غرفته التي تعج برائحة الدخان وأعاقب السجائر المحترقة التي تناثرت حتى غطت مساحات الغرفة الكئيبة، في كل زواية وحيثما أشَحتَ ببصرك ستقع عيناك على بقايا السجائر والرماد، لم يكن يعترف كثيرا بطفايات السجائر، كان يجوب ارجاء غرفته تائها في بحار أفكاره المتلاطمة يضرب بسبابته سيجارته فيهوي منها الرماد على الأرض كأنه مجموعة من ريش مخلوق أسطوري صغير، كان يقلي بالسيجارة بعدما يمتص منها كل ما أمكن امتصاصه ويقلي بها كيفما اتفق أو يطفئها أحيانا في اي جسم صلب قريب التناول على يده، دائماً ما يبدوا له السرميك الذي يغطي الأرضية مناسبا لدفن رأس الزهرة المشتعة

لم يكتف بهذا بل تعداه لما هو أكثر من ذلك، فإنه وخلال فترات سجنه الإنفرادي الذي إختار مجبراً أن يسجن نفسه بين جدرانه باهتة اللون اعتاد أن يتقمم أعقاب السجائر المطفئة اللتي تتناثر حولة بغزارة ليفتت ما بداخلها من بقايا التبغ شبه المحروق ويجمع منه كمية مناسبة يلفها في ورق الشام المتوفر بغزارة أيضاً ليصنع سيجارة يحب أن يسميها “سيجارة القرف” يستخدمها عندما لا تتوفر لديه النقود لشراء علبة سجائر جديدة او عندما تفرغ علبته ويعلم انه لن يتمكن من شراء علبة اخرى بسبب إقفال المحلات ليلا، كان يحب الليل كثير ونادرا ما ينام الليل، يعتبر أن لليل قدسة غريبة المعالم

ومع شراهتة المفزعة بالتدخين كان لا يشتري الا علبة سجائر واحدة، ليس بسبب نقص النقود، وان كان ذلك عذراً وجيها ينطبق عليه تماماً، لكنه وعلى مدار السبعة أعوام التي عاشها كشخص مدخن لم يقتنع ابدا انه انسان مدخن مدمن سجائر، كان يشتري علبة واحدة فقط كلما احتاج لذلك ويقول لنفسه هذه اخر علبة سجائر أشربها في حياتي

جلس في غرفته على حافة سريره المهترئ البطانة المليئ بالبقع، النفاث الرائحة، تلك الرائحة التي لم يعد أنفه يميزها بعد ان اعتاد عليها دهرا، ينظر حوله ويحملق في ملابسه المغبرة الملقاة بلا بترتيب في كل مكان تقريبا، يملؤها الغبار وآثار أحذيته التي طبعت عليها بشكل أشبه ما يكون بالفوضى الخلاقة، يتنفس الصعداء ويقول “لابد أن أغير حياتي. اريد أن أتغير ولكن كيف؟ مالذي يجب أن أفعله؟ أي الطرق يجب أن أسلك؟ وماهي الأهداف التي سأجعل حياتي تتمحور حولها؟ من أنا؟ وماذا يجب أن أكون؟ ولماذا يجب أن أكون أصلا؟ اه يا الله ساعدني.

يمسك بجهازه اللوحي الذي قضى قرابة العامين يجمع النقود لشراءه وبعد ان تمكن من ذلك مباشرة انخفض سعر الجهاز بعد أن طرحت الشركة طرازا اكثر حداثة، لكنه وعلى اي حال أمسك بجهازه وطبع عليه هذه الكلمات.

٢٠١٤٠٤٢٠-١٥٥٤٠٨.jpg

 
تعليق واحد

Posted by في أفريل 20, 2014 بوصة قصة قصيرة, محاولات أدبية

 

الأوسمة: , , ,